الأستاذ الدكتور المهندس سمير سعدون الجبوري
جامعة الكتاب / كركوك – التون كوبري – العراق
المقدمة
في عصر يتسارع فيه التغير المناخي ويتزايد الطلب على حلول طاقة مبتكرة، يبرز الهيدروجين الأخضر كوقود المستقبل القادر على قيادة التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون. بينما قطعت دول عديدة شوطًا كبيرًا في هذا المجال، فإن الجامعات العراقية – بدعم حقيقي للبحث العلمي – تمتلك القدرة على أن تصبح لاعبًا فاعلًا في هذه الثورة الطاقية الحديثة.
تسلط هذه المقالة الضوء على أهمية دعم البحث الأكاديمي في تشكيل خارطة طريق العراق للهيدروجين الأخضر، من خلال استعراض التجارب العالمية، احتياجات البنية التحتية، وإبراز جامعة الكتاب كنموذج واعد.
1. الهيدروجين الأخضر وأهميته للتنمية المستدامة
يُعد الهيدروجين وقودًا مستقبليًا متعدد الاستخدامات، يصنف إلى ثلاثة أنواع رئيسية حسب طريقة الإنتاج:
الهيدروجين الرمادي: ينتج من الغاز الطبيعي عبر إصلاح البخار، وهي الطريقة الأكثر شيوعًا عالميًا، لكنها تنبعث منها انبعاثات كربونية عالية.
الهيدروجين الأزرق: ينتج بنفس الطريقة لكن مع تقنيات احتجاز وتخزين الكربون (CCS) لتقليل الأثر البيئي.
الهيدروجين الأخضر: أنظف أشكال الهيدروجين، ينتج عبر التحليل الكهربائي للماء باستخدام طاقة متجددة (شمسية، ريحية)، دون أي انبعاثات كربونية.
تكمن أهمية الهيدروجين الأخضر في إمكانية تطبيقه عبر قطاعات النقل، الصناعة، وتوليد الطاقة، مع تكامله السلس مع شبكات الطاقة الحالية. مما يجعله حجر الزاوية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) وطموحات الحياد الكربوني العالمية.
2. دور البحث العلمي في التحول الطاقي
لا يمكن لأي دولة أن تتقدم في مجال الهيدروجين الأخضر دون وجود نظام بحث علمي قوي. حيث يشكل تمويل المشاريع البحثية، تجهيز المختبرات، وتمكين الباحثين والطلبة للعمل التطبيقي الأساس للابتكار.
يحتاج العراق بشكل عاجل إلى الاستثمار في البحث العلمي كأصل معرفي طويل الأمد. يمكن للجامعات تطوير حلول مخصصة للتحديات البيئية واللوجستية في العراق. كل دولار يُنفق على البحث في هذا المجال سيعود بمضاعفات في الأمن الطاقي، الاستقرار البيئي، والنمو الاقتصادي المستدام.
3. دروس عالمية في الهيدروجين الأخضر – رؤى لمستقبل العراق
تظهر النماذج الدولية الرائدة تأثير السياسات الوطنية الواضحة والاستثمارات الاستراتيجية:
ألمانيا: أطلقت استراتيجية وطنية بمليارات اليورو، ببناء محطات تحليل كهربائي مرتبطة بشبكات الغاز والموانئ.
المغرب: استغل موارد الطاقة الشمسية والريحية لإقامة شراكات أوروبية، مثل مجمع “نور” للهيدروجين الشمسي.
مصر: ربطت مشاريع الهيدروجين الأخضر بمنطقة قناة السويس الاقتصادية كبوابة تصدير.
السعودية: تطور مشروع “نيوم” الضخم لإنتاج وتصدير الهيدروجين والأمونيا الخضراء.
القاسم المشترك؟ رؤية وطنية، استثمار في البنية التحتية، ودعم للبحث التطبيقي – وكلها قابلة للتكيف مع سياق العراق.
4. إمكانات البنية التحتية العراقية للهيدروجين الأخضر
تشمل أصول العراق للتصنيع الهيدروجيني:
- موارد وفيرة من الطاقة الشمسية والريحية.
- موقع جغرافي استراتيجي للتصدير إلى آسيا/أوروبا.
- شبكات نقل غاز موجودة وخبرة عقود في تخزين وتسيل النفط/الغاز.
لكن هناك حاجة لبنية تحتية مخصصة للهيدروجين: محطات تحليل كهربائي، تحديث خطوط الأنابيب، منشآت تخزين، وترقيات للموانئ (مثل البصرة/الفاو). تبدأ سلسلة قيمة الهيدروجين في المختبرات وتنتهي في الموانئ، مع الطاقة والخدمات اللوجستية فيما بينها.
5. جامعة الكتاب: نموذج رائد
تسعى جامعة الكتاب لأن تكون منتجًا للمعرفة، وليس ناقلًا لها فقط. وقد أولت أولوية لأبحاث الطاقة المتجددة، من خلال:
- إنشاء مجموعات بحثية وفعاليات علمية تشمل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في مشاريع تطبيقية، خاصة في الهيدروجين الأخضر.
- تقديم دعم مالي لرسوم النشر وحوافز للأبحاث المفهرسة في سكوبس وكلاريفيت.
أسفر هذا النهج عن نشر أكثر من 10 دراسات مراجعة من الأقران حول الهيدروجين الأخضر/الاستدامة، شارك في تأليفها فرق بحثية بالتعاون مع جامعات ألمانية، سعودية، هنغارية، بولندية، هندية، وقطرية. تعكس هذه الشراكات انفتاح الجامعة على التعاون العالمي وقدرتها على تشكيل السياسات الطاقية الوطنية – إذا تم تعزيز ثقافة البحث والدعم المؤسسي.
الاستنتاجات الرئيسية
- التحول القائم على البحث: يمكن للجامعات العراقية قيادة الابتكار في الهيدروجين الأخضر بالتمويل المستهدف والبنية التحتية.
- التكامل العالمي-المحلي: تكييف أفضل الممارسات الدولية مع أصول العراق الفريدة.
- نموذج جامعة الكتاب: مثال لتكامل الأكاديميا، السياسة، والصناعة في التحول الطاقي.
“مستقبل الهيدروجين في العراق يبدأ في مختبرات الجامعات – حيث تلتقي الطاقة النظيفة بالتميز الأكاديمي.”